لكل شعب أكلاته وعاداته
مع الاعلان عن ظهور هلال شهر رمضان في مصر.. تزدان الشوارع والمآذن بالأضواء وتعلو الابتهالات ويلهو الأطفال بالفوانيس.
مفردات وطقوس تميز شوارع المدن المصرية ايذانا بحلول الشهر الكريم ومن أهمها انتشار صانعي الكنافة والقطايف في كل الشوارع تقريباً، ملايين الفوانيس التي تزدان بها الشرفات ومداخل البيوت وواجهات المحلات.. ابتهاجا وأغان تردد (رمضان جانا) (وحوى يا وحوى).
وموائد الرحمن العامرة بالخيرات ونعم الله الكثيرة التي تخص هذا الشهر الكريم.. وبعد التراويح تزدحم المقاهى برواد المشروبات الساخنة والابتهالات أنها الأفراح والليالي الملاح احتفالاً بالعطايا والهبات التي تمتلئ بها جعبة رمضان.
وتبدأ الاحتفالات عادة قبل بداية الشهر بعدة أيام فيقوم الأطفال بشراء الفوانيس الملونة وإشعالها بالشمع في عز النهار استعجالاً بحلول الظلام لكي يطوفوا في الشوارع مرددين أغانيهم الشهيرة (وحوى يا وحوى) ويقوم الكبار بدورهم بتنظيف الشوارع ورش المياه وتعليق الإعلام والرسومات المبهجة على واجهات المنازل والمساجد وعندما يسمع صوت المدفع إيذاناً بالإفطار يتناول الصائمون طعامهم المطهي بعناية خاصة وتكون المائدة عامرة بكميات هائلة ثم يخرج الجميع إلى الساحات والميادين حيث فرق الفنون الشعبية في الخيام الرمضانية ولكن أفراح المساجد الرمضانية لها أصولها وطقوسها التي يحفظها المصريون عن ظهر قلب.
ألف بهجة وبهجة
فلهذه الأفراح جذور تاريخية تعرفها مآذن المساجد وتطرب لها، وأول مئذنة تبتهج بقدوم رمضان هي مئذنة الجامع الحسيني، وتقام في ساحته الخارجية مظاهر لا نظير لها منذ أن أنشأه الخليفة الظاهر بأمر الله الفاطمي عام (1154م - 549هـ) إذ يقيم المصلون بعد صلاة المغرب حلقات للاحتفاء بالمناسبة بعدها يخرج بعضهم من (الباب الأخضر) إلى السهر والجلسات العامرة بالمتسامرين.
وفي مسجد عمرو بن العاص وهو أول المساجد التي تم بناؤها بالقاهرة عام (21هـ -642م) هناك حيث الأروقة الفسيحة يكون موعد آخر مع البهجة، إذ يتجمع الأطفال والشيوخ معاً حاملين كل ما جاد به رمضان من وسائل الفرح والسعادة حيث أغطية الرأس الورقية اللامعة والهدايا على شكل أكياس من (حب العزيز) والفول السوداني التي تباع خارج المسجد بأسعار زهيدة وأحياناً مجاناً، ويستمعون للإنشاد الديني والغناء الشعبي.
الكنافة والقطايف
ومن المشاهد الرمضانية المحببة هي انتشار محلات الكنافة والقطايف في كل شوارع وحارات مصر تقريباً، فلا يكاد يخلو شارع أو حتى زقاق ضيق من صانعي الكنافة والقطايف الذين يصنعون الأفران الخاصة بهما في الشوارع في مشهد محبب لكل مصري مسلم.. وللكنافة والقطايف في مصر حكاية ترجع إلى عصر المماليك فهم أول من أدخلوا صناعتها للترفيه عن الصائمين والمحرومين لدرجة أنها أصبحت موضع مساجلة بين الشعراء فداعب أحدهم الكنافة بقوله :
وجاء عليها سكر دائم الدرر | سقى الله أكناف الكنافة بالقطر |
إنها.. تمر بلا نفع | وتبا لأوقات المخلل |
وقال شاعر في مدح القطايف:
فالصوم حينها لنا | هات القطايف لي هنا |
وأكرهها أنا | قد كان يأكلها أبي |
ذقت السعادة والهنا | لكنى منذ ذقتها |
سحر المقاهي
أما سهرات المقاهي في القاهرة فلها شكل مختلف ومذاق خاص، فهي عالم فريد متشابك له سماته الخاصة، وفي شهر رمضان تأخذ هذه المقاهي زينتها وزخرفها بشكل له سحر خاص، وظهور المقاهي القاهرية لم يحدد تاريخه ولكن الذي لا شك فيه أن المقاهي كانت جزءاً من الحياة القاهرية منذ أن اتسعت القاهرة، ولم تعد الحياة قاصرة فيها على الخلفاء الفاطميين، فالمقاهى في مصر بصفة عامة لها حكاية في التاريخ فالقهوة التي استمد منه المكان اسمه لم تدخل مصر إلا في القرن السادس عشر، وقيل إن أول من اهتدى إليها هو (أبو بكر بن عبد الله) المعروف ب(العيدروس) وللمقاهي في القاهرة تاريخ جميل، وسبب شهرة المقاهي أنها كانت للترفيه عند أولاد البلد وخاصة في شهر رمضان وأن أجهزة الراديو لم تكن منتشرة كما هو الحال اليوم، ولم يكن هناك بالطبع تليفزيون، ومن هنا تولي أصحاب هذه المقاهي الشعبية مسئولية تقديم المادة الترفيهية لهؤلاء الناس الشعبيين الطيبين، كانت وسيلة أصحاب المقاهي في تقديم هذه المادة هي الشاعر الشعبي بالربابة والمنشد البلدي الذي يشدو بالمواويل بكل أنواعها والشاعر الشعبي الذي كاد يختفي من حياتنا اليوم كان له وجوده المكثف في تلك الأيام التي تحكي من خلالها قصص التاريخ البطولي للعرب ورموزهم الشهيرة.
ورغم ظهور الفضائيات بسحرها، فما زالت المقاهي تعج بروادها طوال شهر رمضان، ومن يشاهد ازدحام هذه المقاهي في ليالي رمضان يظن ألا يوجد أحد في مسكنه، ولكن الحقيقة أن البيوت عامرة، والمقاهي تعج والخيام الرمضانية مزدحمة، والشوارع تموج بالبشر، في حركة دائبة وغير عادية احتفالاً وبهجة بالشهر الفضيل.
رمضان في لبنان
أول إطلالة لرمضان تعرف من أصوات مدافعه الثلاثة التي تطلقها الدولة وحينها يدرك المواطنون أن شهراً من نوع آخر يطل عليهم، شهر رمضان غير أن هذه العادة قد انقرضت في بعض المدن وخصوصاً في بيروت العاصمة أثناء الحرب الأليمة التي مرت على لبنان لكنها لم تغب عن المدن الأخرى كمدينة طرابلس، وهذا العام عاد البيروتيون ليسمعوا صوت المدفع من جديد بعدما طلبت دار الفتوى من قيادة الجيش إعادة إحياء هذه العادة.
ومدفع رمضان تقليد ابتدعه العثمانيون وعمموه في عدد من المدن والأمصار الإسلامية ويطلق عند غروب كل يوم في شهر رمضان إيذاناً بالأفطار أو بالأمساك.
السحور.. والأسرة
ينام المؤمنون في رمضان ويترقبون قدوم (المسحراتي) الذي يخترق بالمطرق الخيزراني سكون الليل يقرع به طبلته لإيقاظ النيام استعداداً لبدء يوم صومهم.
والمسحراتي هو أحد الرموز المحببة لنفوس المؤمنين ورغم أن صورته قد خفتت وتضاءل دوره في هذه الأيام إلا أن له رونقه المحبب دائماً في الأحياء الشعبية وبصوته الشجي منشداً أبياتا من الشعر الديني مثل: (يا نايم وحد الدايم يا نايم وحد الله) و(قوموا على سحوركم جاي رمضان يزوركم).
تكون العائلة اللبنانية في شهر رمضان على غير عادتها وبشكل لم تعهده من قبل، إذ إن الأسرة تجتمع بأسرها إلى مائدتي الإفطار والسحور، وهي كانت قلما تلتقي نظراً لتضارب مواعيد أفراد العائلة ومزاجهم وأوقات تناول طعامهم بسبب ظروف أعمالهم وانشغالاتهم اليومية.
موائد رمضان
مائدة رمضان في لبنان لها أصناف مميزة لابد أن تكون حاضرة كلها أو بعضها - على مائدة الإفطار أو السحور.
أول هذه الأنواع التمر الذي يتناوله الصائم عقب انطلاق مدفع الإفطار اقتداء بسنة النبي عليه الصلاة والسلام ولما له من فائدة طبية، فالتمر سيد المائدة وبه يبدأ الإفطار ويجب أن يكون في المقدمة.
أما ( الشوربة ( فإن لها الحظ الأوفر في الموائد الرمضانية وتنفع بضع حسوات منها في ترطيب الحلق الجاف تهيئة المعدة لاستقبال الوجبة الدسمة.
والشوربة على أصناف أفضل ما كان بالعدس المجروش والخضار، وهناك الطبق المميز في لبنان وهو (الفتوش) الذي يدخل في تركيبه جميع أنواع الخضار ويؤكل قبل بداية الوجبة الأساسية على الإفطار.
وتتفنن ربة المنزل - يشاركها معظم أفراد العائلة - في صنع صحن (الفتوش) فعملية تحضير (الفتوش) تحتاج إلا ثلاث أو أربع ساعات أحياناً للحصول على وجبة مغذية وضرورية لاشتمالها على أنواع الفيتامينات كافة.
وهناك (الفتة) والحمص بالطحينة اللذان يحرص الصائم على وجودهما على المائدة إضافة إلى العديد من المأكولات التي لا ينفصل وجودها عن رمضان منها الكبة النية والباذنجان بالطحينة وغيرها.
ثم هناك صنف آخر وهو (المغربية) تصنع من السميد ويفرك باليد ويتم (تهبيله) على البخار ويضاف إليها الحمص والبصل المسلوق وهى تشكيلة ضرورية مع المخلل.
مآدب جماعية في إندونيسيا
وتحتفل إندونيسيا باستقبال الشهر الكريم على المستويين: الرسمى والشعبي، فعلى المستوى الرسمي تتولى وزارة الشئون الدينية هناك إعلان بداية شهر رمضان بعد ثبوت رؤية هلاله، وعلى المستوى الشعبي.. بعد أن يتلقى الشعب البشرى بحلول الشهر الكريم.
بعدها يبدأ الأطفال والشباب فوراً في الطواف في الشوارع وهم يدقون الطبول ويرددون الأناشيد ليعلنوا فرحتهم بقدوم الشهر الكريم حتى موعد السحور.
ويبلغ عدد المسلمين في إندونيسيا نحو مائتي مليون نسمة، وهم من أشد المسلمين حرصاً على صيام رمضان، وممارسة روحانياته، وهم عادة يجتمعون رجالاً ونساءً في المساجد قبل الإفطار ليؤدوا صلاة المغرب، ثم يتناول الجميع إفطارهم في أماكن خاصة بالمساجد أقيمت خصيصاً لهذه المآدب الجماعية.
وعادة ما يبدأ مسلمو إندونسيا إفطارهم بالتمر واللبن سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يصلون المغرب، وبعد ذلك يتناولون الطعام الذي يعدونه في منازلهم، ثم ينقلونه إلى المساجد قبل موعد الإفطار.
السنغال.. زيارات مصالحة
وأهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في دولة السنغال هو حرص كل مسلم هناك على زيارة مصالحة أي شخص كان بينه وبينه أي سوء تفاهم أو خصام، ويطلبون من بعضهم البعض الغفران والسماح مع بداية الشهر الكريم، وهكذا يبدأ مسلمو السنغال الشهر الكريم كصفحة بيضاء، كما يمتاز هذا الشهر عند مسلمي السنغال بفرط عنايتهم واهتمامهم بفقراء المسلمين، وتأخذ كل عائلة مسلمة على عاتقها مهمة إطعام أسرة مسلمة فقيرة وإمدادها بكل ما تحتاج إليه من غذاء وكساء عدا ما تقدمه لها من صدقة أو زكاة فطر.
ويحرص مسلمو السنغال في إفطارهم في رمضان على تناول التمر والماء في بداية الإفطار، ثم يتناولون وجبة الإفطار الأولى بعد صلاة المغرب، وتسمى (اللاخ) وهي عبارة عن نوع من الحلوى المصنوعة من الدقيق المطبوخ من اللبن والسمن والسكر، وهي تشبه إلى حد كبير (سد الحنك) وبعد صلاة العشاء يتناولون الوجبة الرئيسية من طعامهم والمكونة من الأرز والسمك، وهم ينوعون في طبخ الأسماك باعتبارها عماد الأطباق التي يتناولونها على مدار العام.
وتبدأ طقوس هذه الزيارة عندما تخرج العروس من بيتها وهي بكامل زينتها وأغلى عطورها، وتلتف حولها صديقاتها يحملن المباخر التي تملأ الجو بعبير بخورها الزكي، ويزفون العروس مرددين الأغاني مصحوبة بالموسيقى الشعبية حتى تصل إلى منزل أهل زوجها.
أما بالنسبة لأطفال الصومال، فهم يستقبلون الشهر الكريم كما يستقبله الأطفال المصريون، حاملين فوانيسهم المصنوعة من نوع من الثمار يشبه القرع العسلي، يجوّف وتوضع به شمعة ويحمله الطفل ليلعب به مع أقرانه أو إخواته مرددين الأغنيات الجميلة التي تطلب من الكبار أن يجودوا بما عندهم من خيرات رمضان.
ويحرص الشعب الصومالي قبل استقباله شهر رمضان على طلاء منازلهم باللون الأبيض، ابتهاجاً بقدوم الشهر المبارك ويزينونها بالأنوار المبهرة.
آجار آجار.. في ماليزيا
ولعل أهم ما يميز رمضان في ماليزيا، هو احتفاء الماليزيين وحرصهم على تجويد القرآن الكريم، وتقيم ماليزيا مسابقات ضخمة للقرآن الكريم، تبدأ بمستوى تلاميذ المدارس، وتتدرج لتصل إلى مستوى الولايات الثلاث عشرة التي تمثل دولة ماليزيا وتقام في كل دائرة مسابقة عالمية لحفظ القرآن الكريم، يشترك فيها أربعون دولة إسلامية، هذه المسابقة تقام منذ أكثر من ثلاثين عاماً مضت.
ويحرص مسلمو ماليزيا على تناول الأرز في إفطارهم كوجبة رئيسية، وهم يطهون حبوب الأرز بأشكال وأصناف كثيرة، على أن أحبها لديهم في شهر رمضان هو (الكتوف)، وهو طبق الأرز المحشو داخل أوراق جوز الهند، وكذلك طبق اللحم المطبوخ بالبهارات، ويسمونه (وندنج).
ويحرص مسلمو ماليزيا كذلك على تناول نوع من الحلوى في رمضان، يسمونها (آجار آجار) وتصنع من دقيق الأرز وعصير وسكر جوز الهند، ويحرص حكام ماليزيا على فتح أبوابهم لضيوف رمضان في هذا الشهر.
العرجاء..والسائرة
أما في أفغانستان، فيقوم الشباب والأطفال بدور المسحراتي، ويُسمّى من يؤدي هذا العمل (الرمضاني) وهو يقوم بعمله متطوعاً، ويسيرون جماعات وكأنهم فرقة ويعزفون الموسيقى، ويذهب الصائمون إلى المساجد بعد الإفطار لصلاة العشاء ولسماع القرآن الكريم، ولديهم شخصية اسمها (الفاتح) تتابع قارئ القرآن الكريم لترده إلى الصواب إذا أخطأ في التلاوة.
وفي باكستان يدق المسحراتي أبواب البيوت دون أن يقول كلمة وهناك حفظة للقرآن الكريم يتلونه كاملاً في ليلة واحدة، وتسمى هذه العادة (شبيناه) ومعناها - ليلة واحدة - بلغتهم، وهم يشربون (الليسي) وهو مثل اللبن الزبادي، ممزوجاً بالماء والسكر، وهم لا يتناولون طعام الإفطار في رمضان إلا بعد صلاة المغرب، ويسمون الأيام العشرة الأولى من رمضان (العرجاء) لأنها متعبة في صيامها، ويسمون الثانية (السائرة) لأنها تمضي عادية، أما العشرة الأخيرة فيسمونها (الراكضة) لأنها تمضى بسرعة.
(
وفي السودان يشربون (الحلو مر) وهو يطفئ العطش، وطعمه مثل اسمه، ويضاف إليه القرنفل وبعض التوابل، ومن أجمل عاداتهم هناك أنهم في الريف يفضلون أن تقام مائدة الإفطار في فناء الدار أو أمام الباب من أجل استقبال الضيف الذي يمر ساعة الإفطار، ودعوته للطعام.
رمضان في شمال إفريقيا
وفي المغرب يبدأ الصائمون إفطارهم بشرب (الحريرة) وهي حساء، ويطبخ باللحم الضأن ممزوجاً بالحمص والفول، ويختمون طعامهم بالشباكية وهي حلوى تصنع من الدقيق، مع خلطة بالموز والسكر والسمن، وهناك (الشفار) وهو خبز يُقلى مع البيض والسمن والسكر واللبن، وتنتشر في البادية (الرغائف) أي الفطائر المحلاة بالسكر.
أما في تونس فترتفع الزينات لقدوم رمضان، وتقام الحفلات (السلامية) التي تحتفي في رمضان بالأذكار الدينية، وتتفنن السيدات في صنع (المسقوف) وهو عبارة عن (الكسكسي) بالسكر وحب الرمان.
وفي الجزائر يتجمع الأطفال في المساجد انتظاراً للأذان، وبعد إفطارهم على التمر مع آبائهم يعودون للبيت لتناول الطعام، وكثيرون يشربون القهوة قبل الأكل، وحلواهم اسمها (الزلابية)، والمسحراتي عندهم لا يحمل طبلة، بل يحمل مزماراً مثل الفلوت، يعزف عليه نغمة معينة توقظ الناس النائمين، ويتناولون سحورهم مكوناً من اللبن المضروب (الرايب) والكسكسي باللحم والدجاج.
الهريس في البحرين
وهناك بعض العادات الاجتماعية في البحرين وتتمثل في البدء بزيارة الأكبر سناً في بداية الأسبوع الأول من الشهر المبارك.. وهناك تقليد لابد من وجوده عند الفطور وهو ضرورة تناول طبق الشوربة والتمر والقهوة العربية، وذهاب الرجال إلى المسجد لأداء صلاة المغرب، وعند عودتهم يتناولون طعام الفطور مع أسرتهم من الهريس والثريد واللقيمات، وربما يتناول البعض منهم المكبوس لأنها تعتبر أكلة ثانوية عندهم.
وللمجالس الرمضانية نصيب في البحرين ففيها يجتمع رجال الأسرة والأصدقاء والمعارف لمناقشة وطرح العديد من القضايا الخاصة والعامة، ويقدم إليهم خلالها التمر والقهوة والشاي والحلوى البحرينية الشهيرة التي لابد وأن تكون في كل بيت طيلة أيام الشهر الفضيل.
الصلاة في الحرمين
وتنفرد السعودية، بتوجه قلوب المسلمين لها كل يوم لأداء فروض الصلاة وأداء فريضة الحج المباركة والعمرة في الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومع أذان المغرب تفرش موائد الإفطار في الحرمين المكي والمدني، ويتسابق القائمون عليها لجذب المسلمين ليجلسوا في موائدهم، وكلما زاد عدد الجالسين ازداد فرح القائمين على هذه الموائد.
ولا يتخلى السعوديون عن طبقهم اليومي المشهور (الكبسة)، ولكن يفضله البعض طعاماً لسحورهم كوجبة يتناولونها مع السلطة واللبن، أو يختار البعض الآخر اللبن الزبادي والفول طبقاً رئيساً، أو الخبز مع الإدام وهو طبق الخضار، أو تناول رقاق الكنافة والأقراص والجريش والمثلوثة والمطاطيز والسمبوسة وهي أكلات معروفة في المملكة.
وتوجد أربعة مواقع للمدافع الرمضانية في السعودية وهي جبل السليمانية -جبل المدفع - وتوجد فيه ثلاثة مدافع وجبل شماس-مجر الكبش- وفيه مدفعان، ومنطقة الغوارية وفيها مدفعان، ومحافظة الجموم ولها مدفعان، وبذلك يصبح مجموع المدافع المعدة لشهر الصيام في أنحاء مكة المكرمة تسعة مدافع يعمل عليها 29 رجلاً، وتطورت مدافع الإفطار في المملكة حيث إن طلقاتها القديمة التي كانت تعتمد على البارود والملح والخيش قد أبدلت بالطلقات الحديثة الأكثر أماناً عند إطلاقها ليسمع صوت المدفع موعد فطور الصائمين.
ويمتلئ الحرم المكي الشريف مع دخول ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان بملايين المصلين الذين يأتون من كل فج عميق، ويقطعون المسافات الطويلة وينفقون الأموال الطائلة، لكي يفوزوا بقضاء الليالي العشر الأواخر من شهر الصيام، التماساً لليلة القدر المباركة مقبولة الدعاء، والتي هي خير من ألف شهر.
ويرتدي أطفال المنطقة الشرقية أجمل ثيابهم ويخرجون في مجموعات يحملون أكياساً خاصة يعلقونها في أعناقهم ويطوفون على بيوت الجيران، ويوزع عليهم الأهالي المكسرات، ويرددون هذه الأغنية:
أم قصير ورمضان | فرقع فرقع فرقيعان |
بيت مكة يوديكم | عطونا الله يعطيكم |
الجامع الأموي بسوريا
ويستقبل السوريون شهر رمضان بتقاليد متوارثة تبدأ بتقاليد إثبات مولد هلال الشهر الكريم، وتلتزم هذه المسألة أسسا علمية، ففي ليلة الثلاثين من شهر شعبان يجلس القضاة والوجهاء في المسجد الأموي في دمشق خلال الساعات التي يتوقعون فيها ظهور هلال الشهر الكريم لإعلان بدء صيام رمضان الفضيل.
وعقب تناول الفطور في رمضان، يتجمع أطفال الحي، وبيد كل واحد منهم صحن فارغ، ويدورون على بيوت الأغنياء منهم ليأخذوا السحور.
التماسي اليمنية
وشهر رمضان في اليمن له خصوصية دينية وقد ارتبطت به عادات وتقاليد اجتماعية جميلة فمثلاً يتم استقبال شهر رمضان بصيام أيام من شهر رجب وصيام (الشعبانية) ألا وهي الثلاثة البيض من شعبان.
وقبل حلول الشهر بأيام تجهز الأسرة الحبوب كالذرة والشعير والفول هذا بجانب الأشياء الأخرى التي ترتبط بالموائد الرمضانية ومن المظاهر التي تتم قبل حلول الشهر بيومين أو ثلاث ما عرف ب(التناثير) وهي أن يجمع عدد من الأشياء القابلة للحرق مثل الحشائش والأحطاب ويقوم الأطفال بإشعال النار فيها هذا إلى جانب أنهم يرقصون وينشدون بعض الأناشيد الخاصة برمضان والمعروفة ب(التماسي) حيث يستعد الأطفال لأدائها من أواخر شعبان وينتظرون بهجة التماسي التي يكسبون بها مقادير قليلة من النقود.
وشعر التماسي وأداؤه مختلف عن الأهازيج لأن ذلك الأداء هو نشيد الطفولة إذ لا تؤديه إلا مجاميع من الأطفال مرددين:
أدى لأبي قرعة دراهم | يا رمضان يا بو الحمائم |
أدى لنا مخزن بضائع | يا رمضان يا بو المدافع |
ويعنى هذا النشيد أن الأطفال يطلبون الرزق لآبائهم وذلك لأن رمضان يحتاج الكثير من الرزق وهذا يدل على أن رمضان مصدر من مصادر الرزق من عند الله تعالى ويظل الأطفال على حالهم هذا طوال الأيام القلائل السابقة لرمضان منتظرين قدومه العزيز.
ومن المظاهر الشعبية المتعارف عليها في اليمن السعيد بعد انقضاء اليوم العاشر من رمضان يبدأ اليمنيون إحياء ليال تنافسية في إلقاء الشعر، وأداء الرقصات الشعبية وارتداء الأقنعة على الوجه.
أما عن الأكلات اليمنية الرمضانية نجدها مميزة وتوجد الكثير من الطبخات الخاصة مثل الشفوط (المكون من الفطائر المسقية باللبن) وما يُسمّى بالحامضة وهي عبارة عن الحلبة المطحونة والخل والسكر والمعصوبة والشربة بمختلف أنواعها.
كما يتميز شهر رمضان في اليمن بسهراته ومجالسه الدينية التي يقرأ فيها القرآن الكريم والتناقش في المسائل الدينية.
وهناك عادة ينفرد بها أهل اليمن خلال الشهر وهي الاحتفال بالراغبين في الزواج ليلة العشرين من رمضان، ويعد هذا إعلاناً بأنهم سيدخلون عش الزوجية بعد انتهاء الشهر المبارك ويتبارى العرسان بإظهار قوتهم من خلال (المدارة) وهي لعبة شعبية، حيث يربط حبلان غليظان بجذع شجرة ضخمة تعرف ب(النالوق)، ويثبت بها كرسي والقوي من الشباب من يحقق أعلى ارتفاع في الهواء أثناء القفز، وهناك لجنة تحكيمية من كبار السن، أما الفائز من الشباب فيفرح بتقدير أقرانه واللجنة المحكمة، مع إعجاب عروسه التي ترقب اللعبة مع زميلاتها عن بُعد